العلاقات الاجتماعية المستقرة الناجحة سبب من أهم أسباب شعور الإنسان بالسعادة، كما أنها يمكن في أحيان كثيرة أن تثمر نبعًا فياضًا من الخيرات والمصالح المشتركة، وعلى الرغم من أهمية العلاقات الاجتماعية إلا أن بعضها يمكن أن يتحول إلى مصدر حزن وشقاء وألم وإزعاج للبعض، وقد يعود ذلك لأسباب نكون شركاء في صناعتها، ومن أهم تلك الأسباب:
1- كثرة الاعتماد على الآخرين (أو ما يطلق عليه: العَشم الزائد)، فلكل علاقة مهما قويت قدرة على الاحتمال، وهذا يستدعي أن نحسن مهاراتنا في الاعتماد على أنفسنا، وذلك للتقليل من الآمال التي نبنيها على الآخرين، ومن فوائد ذلك أنه يقلل عَتبنا على الآخرين، كما يقلل خيبة أملنا فيهم.
2- كما يجب ألا نُكثر من إعطاء الوعود للآخرين بما يجعلهم يتوقَّعون منا أشياء لا نستطيع الوفاء بها؛ فقد يتلقَّف البعض هذه الوعود- ممَّن ينتظرون التعلُّق بأي شيء- ويحمِّلونها أكثر مما تحتمل، ويَبنون عليها توقُّعات، ثم تكون العاقبة هي الخيبة التامَّة، ثم الغضب ممن سبَّب لهم ذلك.
3- وكذلك عليْنا أن نُحسِّن مهارات الاستِماع لدينا، ومهارات الحديث؛ حتَّى لا نُسيء فهم الآخرين، وحتَّى لا نتسبَّب في سوء فهمِهم لنا؛ لأن أكثر الخلافات ينشأ بسبب سوء الفهم، وهذا كثير جدًا، حيث يقول شخص كلامًا، فإذا تضايقت وراجعته فيه قال لك: لم أكن أقصد هذا المعنى الذي فهمته من كلامي، وقد يحدث العكس.
4- كما يجب أن نخفِّف من إصدار الأوامر والأحكام إلى الآخرين، أو تهديدهم عند الغضب، أو الإكْثار من النصائح إلاَّ في أضيق نطاق، وهذا المسلك يَجب أن يكون عامًّا في المنزل ومع الزُّملاء ومن لنا سلطة عليهم؛ لأنَّ هذا يثير دائمًا توتُّرات، ويفتح أبوابًا للحزازات.
5- وعلينا أيضًا مراعاة ظروف الآخرين وحالاتهم النفسية والمادية حين نناقشهم في أمر، أو نطلب عونهم أو استشارتهم، حتى لا نفاجأ بردود فعل مُستفزة أو مُحبطة، وهذا يعني أن نفهم الأسباب الكامنة وراء سلوك بعض النَّاس وتصرُّفاتهم؛ لأن معرفة الدَّوافع- إذا ما استطَعْنا وضْع اليد عليها- ستكون مِفتاحًا جيدًا لتفهُّم بعض تصرُّفاتِهم الغامضة والمتناقضة، ومن ثمَّ حسن التعامل أو تقليل الخلاف معهم.
6- كذلك يجب أن نعلم أن بعض الناس يعرفون كيف يظهرون بمظهر من يوثق به، وهذا يعني أنهم يستطيعون خداعنا بطريقتهم في الكلام والملبس، وهذا يتطلب نوعًا ما من الحذر الذي لا يتعجل في منح الثقة لأصناف وأشكال من الناس لم نسبر غور مضمونها وجوهرها بعد، وإذا كان لابد في العلاقة معهم من التعامل في أموال أو أشياء مهمة فلابد من التروي والنظر إلى التصرفات والسلوكيات وتحليلها بموضوعية قبل منحهم ثقة كاملة.
7- علينا أن نبذل بعض الجهد في دعم ذواتنا باتجاه قوة الشخصية، بما يعني ألا أسمح للآخرين أن يستغلوني أو يضيعوا وقتي دون فائدة، وهذا يعني أن تكون واضحًا فيما تستطيع فعله، وما لا تستطيعه، وأن تكون قادرًا على الرفض أكثر من قدرتك على القبول حياءً أو مجاراة لمن حولك، أو خشية أن يتحدثوا عنك بطريقة لا تعجبك، أو يكونوا عنك انطباعًا لا تحبه، فلا تقبل إلا بما تقتنع أنك قادر عليه، وراغب فيه، أو تفرضه عليك نصوص الشرع وأخلاقه، ويتصل بذلك أيضًا أن نملك شجاعة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عند التقصير أو ارتكاب خطأ ما في حق الآخرين.
وختامًا:
فإن كل جهد نبذله في رعاية علاقاتنا الاجتماعية وتدعيم ذواتنا هو جهد يعود خيره إلينا وعلى المحيطين بنا، وإن قدرتنا على استيعاب واحتواء الآخرين ستبقى محدودة بحدود قدراتنا وإمكاناتنا وأفهامنا وأوقاتنا المحدودة، كما أن إرضاء جميع الناس غاية لا تُدرك.
اسم الكاتب: يوسف إسماعيل
المصدر: موقع لها أونلاين